فصل: كتاب الجزية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح المحلي على المنهاج



. كتاب السير:

بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِ الْيَاءِ هُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْجِهَادِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْمُتَلَقِّي مِنْ سِيَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَوَاتِهِ فَتُرْجِمَ بِهَا وَمِنْهُمْ مَنْ تَرْجَمَ بِالْجِهَادِ. (كَانَ الْجِهَادُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بَعْدَ الْهِجْرَةِ (فَرْضَ كِفَايَةٍ وَقِيلَ) فَرْضَ (عَيْنٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} وَمَنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَدِينَةِ كَانَ يَحْرُسُهَا، وَحِرَاسَتُهَا نَوْعٌ مِنْ الْجِهَادِ وَالْأَوَّلُ يَمْنَعُ حِرَاسَةَ الْجَمِيعِ، (وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلِلْكُفَّارِ حَالَانِ: أَحَدُهُمَا يَكُونُونَ بِبِلَادِهِمْ فَفَرْضُ كِفَايَةٍ) يَجِبُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً (إذَا فَعَلَهُ مَنْ فِيهِمْ كِفَايَةً سَقَطَ الْحَرَجُ عَنْ الْبَاقِينَ) كَمَا هُوَ شَأْنُ فَرْضِ الْكِفَايَةِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ إنَّهُ عَلَى الْجَمِيعِ (وَمِنْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ الْقِيَامُ بِإِقَامَةِ الْحُجَجِ) الْعِلْمِيَّةِ (وَحَلُّ الْمُشْكِلَاتِ فِي الدِّينِ) وَدَفْعُ الشُّبَهِ (وَ) الْقِيَامُ، (بِعُلُومِ الشَّرْعِ كَتَفْسِيرٍ وَحَدِيثٍ) بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا (وَالْفُرُوعِ) الْفَقِيهُ (بِحَيْثُ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ) وَالْإِفْتَاءُ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِمَا وَعَرَّفَ الْفُرُوعَ دُونَ مَا قَبْلَهُ لِمَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ، وَأَسْقَطَ مِنْ الْمُحَرَّرِ الْفَتْوَى. (وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ) أَيْ الْأَمْرُ بِوَاجِبَاتِ الشَّرْعِ وَالنَّهْيُ عَنْ مُحَرَّمَاتِهِ، (وَإِحْيَاءُ الْكَعْبَةِ كُلَّ سَنَةٍ بِالزِّيَارَةِ) بِأَنْ يَأْتِيَ بِالْحَجِّ وَالِاعْتِمَارِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا بَدَلُ الزِّيَارَةِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ (وَدَفْعُ ضَرَرِ الْمُسْلِمِينَ، كَكِسْوَةِ عَارٍ وَإِطْعَامِ جَائِعٍ إذَا لَمْ يَنْدَفِعْ بِزَكَاةٍ وَبَيْتِ مَالٍ) مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْهُ، وَهَذَا فِي حَقِّ أَهْلِ الثَّرْوَةِ، (وَتَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ وَأَدَاؤُهَا) لِلْحَاجَةِ إلَيْهِمَا (وَالْحِرَفُ وَالصَّنَائِعُ وَمَا تَتِمُّ بِهِ الْمَعَايِشُ) كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْحِرَاثَةِ، (وَجَوَابُ سَلَامٍ عَلَى جَمَاعَةٍ) فَيَكْفِي مِنْ أَحَدِهِمْ (وَسُنَّ ابْتِدَاؤُهُ). أَيْ السَّلَامِ عَلَى مُسْلِمٍ (لَا عَلَى قَاضِي حَاجَةٍ وَآكِلٍ و) كَائِنٍ (فِي حَمَّامٍ)، يَتَنَظَّفُ لِأَنَّ أَحْوَالَهُمْ لَا تُنَاسِبُهُ، (وَلَا جَوَابَ عَلَيْهِمْ) لَوْ أَتَى بِهِ لِعَدَمِ سَنِّهِ،.
(وَلَا جِهَادَ عَلَى صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ) لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمَا، (وَامْرَأَةٍ) لِضَعْفِهَا عَنْ الْقِتَالِ (وَمَرِيضٍ) يَتَعَذَّرُ قِتَالُهُ أَوْ يَشُقُّ عَلَيْهِ مَشَقَّةً شَدِيدَةً وَلَا عِبْرَةَ بِالصُّدَاعِ وَالْحُمَّى الْخَفِيفَةِ، (وَذِي عَرَجٍ بَيِّنٍ) وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الرُّكُوبِ وَلَا عِبْرَة بِيَسِيرٍ لَا يَمْنَعُ الْمَشْيَ، (وَأَقْطَعَ وَأَشَلَّ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الضَّرْبِ (وَعَبْدٍ)، وَإِنْ أَمَرَهُ سَيِّدُهُ (وَعَادِمِ أُهْبَةِ قِتَالٍ) مِنْ سِلَاحٍ وَنَفَقَةٍ وَرَاحِلَةٍ فِي سَفَرِ الْقَصْرِ فَاضِلُ جَمِيعِ ذَلِكَ عَنْ نَفَقَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا فِي الْحَجِّ (وَكُلُّ عُذْرٍ مَنَعَ وُجُوبَ الْحَجِّ مَنَعَ الْجِهَادَ)، أَيْ وُجُوبَهُ (وَإِلَّا خَوْفَ طَرِيقٍ مِنْ كُفَّارٍ وَكَذَا مِنْ لُصُوصِ مُسْلِمِينَ عَلَى الصَّحِيحِ) أَيْ فَإِنَّ الْخَوْفَ الْمَذْكُورَ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْجِهَادِ لِبِنَائِهِ عَلَى مُصَادَمَةِ الْمَخَاوِفِ وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ يُقَيِّدُهَا بِالْكُفَّارِ. (وَالدَّيْنُ الْحَالُّ) عَلَى مُوسِرٍ (يَحْرُمُ سَفَرُ جِهَادٍ وَغَيْرِهِ) بِالْجَرِّ (إلَّا بِإِذْنِ غَرِيمِهِ) أَيْ رَبِّ الدَّيْنِ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا وَلَهُ مَنْعُهُ السَّفَرَ بِخِلَافِ الْمُعْسِرِ، وَقِيلَ لَهُ مَنْعُهُ لِأَنَّهُ يَرْجُو أَنْ يُوسِرَ فَيُؤَدِّي وَفِي الْجِهَادِ خَطَرُ الْهَلَاكِ، وَلَوْ اسْتَنَابَ الْمُوسِرُ مَنْ يَقْضِي دَيْنَهُ مِنْ مَالٍ حَاضِرٍ جَازَ لَهُ السَّفَرُ، (وَالْمُؤَجَّلُ لَا) يُحْرَمُ السَّفَرَ فَلَا يَمْنَعُهُ رَبُّ الدَّيْنِ (وَقِيلَ: يُمْنَعُ سَفَرًا مَخُوفًا) كَسَفَرِ الْجِهَادِ وَرُكُوبِ الْبَحْرِ، (وَيَحْرُمُ) عَلَى الرَّجُلِ (جِهَادٌ إلَّا بِإِذْنِ أَبَوَيْهِ إنْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ)، وَلَوْ كَانَ الْحَيُّ أَحَدَهُمَا فَقَطْ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِإِذْنِهِ أَيْضًا (لَا سَفَرَ تَعَلُّمِ فَرْضِ عَيْنٍ) فَإِنَّهُ جَائِزٌ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِمَا.
(وَكَذَا كِفَايَةٍ فِي الْأَصَحِّ) كَطَلَبِ دَرَجَةِ الْفَتْوَى، وَالثَّانِي يَقِيسُهُ عَلَى الْجِهَادِ وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِخَطَرِ الْهَلَاكِ فِي الْجِهَادِ (فَإِنْ أَذِنَ أَبَوَاهُ وَالْغَرِيمُ) فِي الْجِهَادِ (ثُمَّ رَجَعُوا) بَعْدَ خُرُوجِهِ وَعَلِمَ بِهِ (وَجَبَ) عَلَيْهِ (الرُّجُوعُ إنْ لَمْ يَحْضُرْ الصَّفَّ) إلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ (فَإِنْ) حَضَرَ وَ (شَرَعَ فِي قِتَالٍ) ثُمَّ عَلِمَ الرُّجُوعَ، (حَرُمَ الِانْصِرَافُ فِي الْأَظْهَرِ) وَالثَّانِي لَا يَحْرُمُ بَلْ يَجِبُ وَالثَّالِثُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الِانْصِرَافِ وَالْمُصَابَرَةِ وَالْخِلَافُ فِي الرَّوْضَةِ أَوْجُهٌ وَفِي أَصْلِهَا أَقْوَالٌ أَوْ أَوْجُهٌ، (الثَّانِي) مِنْ حَالِ الْكُفَّارِ (يَدْخُلُونَ بَلْدَةً لَنَا فَيَلْزَمُ) أَهْلَهَا الدَّفْعُ بِالْمُمْكِنِ فَإِنْ أَمْكَنَ تَأَهُّبٌ لِقِتَالٍ وَجَبَ الْمُمْكِنُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ (حَتَّى عَلَى فَقِيرٍ وَوَلَدٍ وَمَدِينٍ وَعَبْدٍ بِلَا إذْنٍ) مِنْ الْأَبَوَيْنِ وَرَبِّ الدَّيْنِ وَالسَّيِّدِ، (وَقِيلَ: إنْ حَصَلَتْ مُقَاوَمَةٌ بِأَحْرَارٍ اُشْتُرِطَ) فِي الْعَبْدِ (إذْنُ سَيِّدِهِ) فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَالنِّسْوَةُ إنْ كَانَ فِيهِنَّ قُوَّةُ دِفَاعٍ كَالْعَبِيدِ، وَإِلَّا فَلَا يَحْضُرْنَ. (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَأَهُّبٌ لِقِتَالٍ، (فَمَنْ قَصَدَ دَفَعَ عَنْ نَفْسِهِ بِالْمُمْكِنِ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ إنْ أُخِذَ قُتِلَ) يَسْتَوِي فِيهِ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ وَالْأَعْمَى وَالْأَعْرَجُ وَالْمَرِيضُ، (وَإِنْ جُوِّزَ الْأَسْرُ) وَالْقَتْلُ (فَلَهُ أَنْ يَسْتَسْلِمَ) وَأَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ (وَمَنْ هُوَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْ الْبَلْدَةِ كَأَهْلِهَا)، فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَجِيءَ إلَيْهِمْ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ كِفَايَةٌ، وَكَذَا إنْ كَانَ فِي الْأَصَحِّ مُسَاعَدَةٌ لَهُمْ (وَمَنْ) هُمْ (عَلَى الْمَسَافَةِ يَلْزَمُهُمْ الْمُوَافَقَةُ بِقَدْرِ الْكِفَايَةِ إنْ لَمْ يَكْفِ أَهْلُهَا وَمَنْ يَلِيهِمْ قِيلَ وَإِنْ كُفُوا) يَلْزَمُهُمْ الْمُوَافَقَةُ مُسَاعَدَةً لَهُمْ (وَلَوْ أَسَرُوا مُسْلِمًا فَالْأَصَحُّ وُجُوبُ النُّهُوضِ إلَيْهِمْ لِخَلَاصِهِ إنْ تَوَقَّعْنَاهُ) كَمَا يُنْهَضُ إلَيْهِمْ فِي دُخُولِهِمْ دَارَ الْإِسْلَامِ لِدَفْعِهِمْ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمُسْلِمِ أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ الدَّارِ، وَالثَّانِي قَالَ إزْعَاجُ الْجُنُودِ لِخَلَاصِ أَسِيرٍ بَعِيدٌ..

. فَصْلٌ:

(يُكْرَهُ غَزْوٌ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ). الْأَمِيرِ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِمَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ (وَيُسَنُّ إذَا بَعَثَ سَرِيَّةً أَنْ يُؤَمِّرَ عَلَيْهِمْ وَيَأْخُذَ الْبَيْعَةَ)، عَلَيْهِمْ (بِالثَّبَاتِ) وَيَأْمُرَهُمْ بِطَاعَةِ الْأَمِيرِ وَيُوصِيهِ بِهِمْ لِلِاتِّبَاعِ (وَلَهُ الِاسْتِعَانَةُ بِكُفَّارٍ تُؤْمَنُ خِيَانَتُهُمْ) أَهْلِ ذِمَّةٍ أَوْ مُشْرِكِينَ (وَيَكُونُونَ بِحَيْثُ لَوْ انْضَمَّتْ فِرْقَتَا الْكُفْرِ قَاوَمْنَاهُمْ) قَالَ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ: وَيُفْعَلُ بِالْمُسْتَعَانِ بِهِمْ مَا يَرَاهُ مَصْلَحَةً مِنْ إفْرَادِهِمْ فِي جَانِبِ الْجَيْشِ أَوْ اخْتِلَاطِهِمْ بِهِ بِأَنْ يُفَرِّقَهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، (وَ) لَهُ الِاسْتِعَانَةُ (بِعَبِيدٍ بِإِذْنِ السَّادَةِ وَمُرَاهِقِينَ أَقْوِيَاءَ) فِي الْقِتَالِ وَيَنْتَفِعُ بِهِمْ فِي سَقْيِ الْمَاءِ وَمُدَاوَاةِ الْجَرْحَى، (وَلَهُ بَذْلُ الْأُهْبَةِ وَالسِّلَاحِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَمِنْ مَالِهِ) فَيَنَالُ ثَوَابَ الْإِعَانَةِ وَكَذَا إذَا بَذَلَ وَاحِدٌ مِنْ الرَّعِيَّةِ.
(وَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ مُسْلِمٍ لِجِهَادٍ) لِأَحَدٍ لِأَنَّهُ بِحُضُورِ الصَّفِّ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ (وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُ ذِمِّيٍّ) لِجِهَادٍ (لِلْإِمَامِ قِيلَ وَلِغَيْرِهِ) مِنْ الْآحَادِ، وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ لَا يَتَوَلَّاهَا الْآحَادُ وَيُغْتَفَرُ جَهَالَةُ الْعُمْرِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْقِتَالُ عَلَى مَا يُتَّفَقُ (وَيُكْرَهُ لِغَازٍ قَتْلُ قَرِيبٍ) لَهُ مِنْ الْكُفَّارِ (وَ) قَتْلُ (مُحْرِمٍ أَشَدُّ) كَرَاهَةً (قُلْت) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ، (إلَّا أَنْ يَسْمَعَهُ يَسُبَّ اللَّهَ) تَعَالَى (أَوْ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) فَلَا يُكْرَهُ قَتْلُهُ. (وَيَحْرُمُ قَتْلُ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَامْرَأَةٍ وَخُنْثَى مُشْكِلٍ) لِلنَّهْيِ فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَإِلْحَاقِ الْمَجْنُونِ بِالصَّبِيِّ وَالْخُنْثَى بِالْمَرْأَةِ فَإِنْ قَاتَلُوا جَازَ قَتْلُهُمْ.
(وَيَحِلُّ قَتْلُ رَاهِبٍ) شَيْخٍ أَوْ شَابٍّ (وَأَجِيرٍ وَشَيْخٍ) ضَعِيفٍ (وَأَعْمَى وَزَمِنٍ لَا قِتَالَ فِيهِمْ وَلَا رَأْيَ فِي الْأَظْهَرِ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} وَالثَّانِي لَا يَحِلُّ قَتْلُهُمْ لِأَنَّهُمْ لَا يُقَاتِلُونَ فَمَنْ قَاتَلَ مِنْهُمْ أَوْ كَانَ لَهُ رَأْيٌ فِي الْقِتَالِ وَتَدْبِيرِ أَمْرِ الْحَرْبِ جَازَ قَتْلُهُ قَطْعًا وَتَفَرَّعَ عَلَى الْجَوَازِ قَوْلُهُ (فَيُسْتَرَقُّونَ وَتُسْبَى نِسَاؤُهُمْ) وَصِبْيَانُهُمْ (وَ) تُغْنَمُ (أَمْوَالُهُمْ) وَعَلَى الْمَنْعِ يُرَقُّونَ بِنَفْسِ الْأَسْرِ وَقِيلَ: يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ وَقِيلَ: يُتْرَكُونَ وَلَا يُتَعَرَّضُ لَهُمْ، وَيَجُوزُ سَبْيُ نِسَائِهِمْ وَصِبْيَانِهِمْ وَاغْتِنَامُ أَمْوَالِهِمْ فِي الْأَصَحِّ.
(وَيَجُوزُ حِصَارُ الْكُفَّارِ فِي الْبِلَادِ وَالْقِلَاعِ وَإِرْسَالُ الْمَاءِ عَلَيْهِمْ وَرَمْيُهُمْ بِنَارٍ وَمَنْجَنِيقٍ وَتَبْيِيتُهُمْ فِي غَفْلَةٍ) أَيْ الْإِغَارَةُ عَلَيْهِمْ لَيْلًا، وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ نِسَاءٌ وَصِبْيَانٌ قَالَ تَعَالَى {وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ} «وَحَاصَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ الطَّائِفِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ «وَنَصَبَ عَلَيْهِمْ الْمَنْجَنِيقَ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقِيسَ عَلَيْهِ رَمْيُ النَّارِ وَإِرْسَالُ الْمَاءِ «وَأَغَارَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَسَأَلَ عَنْ الْمُشْرِكِينَ يَبِيتُونَ فَيُصِيبُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ فَقَالَ: هُمْ مِنْهُمْ» رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ (فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مُسْلِمٌ أَسِيرٌ أَوْ تَاجِرٌ جَازَ ذَلِكَ) أَيْ الرَّمْيُ بِمَا ذُكِرَ وَغَيْرُهُ (عَلَى الْمَذْهَبِ) وَفِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ ضَرُورَةٌ إلَيْهِ قَوْلٌ بِحُرْمَتِهِ هَذِهِ طَرِيقَةٌ، وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ إنْ عَلِمَ هَلَاكَ الْمُسْلِمِ بِهِ لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ. (وَلَوْ الْتَحَمَ حَرْبٌ فَتَتَرَّسُوا بِنِسَاءٍ وَصِبْيَانٍ) مِنْهُمْ وَلَوْ تُرِكُوا لَغَلَبُوا الْمُسْلِمِينَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا (جَازَ رَمْيُهُمْ) فِي هَذِهِ الْحَالَةِ (وَإِنْ دَفَعُوا بِهِمْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَلَمْ تَدْعُ ضَرُورَةٌ إلَى رَمْيِهِمْ فَالْأَظْهَرُ تَرْكُهُمْ) فَلَا يُرْمَوْنَ وَالثَّانِي جَوَازُ رَمْيِهِمْ وَرَجَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ (وَإِنْ تَتَرَّسُوا بِمُسْلِمِينَ فَإِنْ لَمْ تَدْعُ ضَرُورَةٌ إلَى رَمْيِهِمْ تَرَكْنَاهُمْ) فَلَا نَرْمِيهِمْ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ دَعَتْ إلَى رَمْيِهِمْ بِأَنْ يَظْفَرُوا بِنَا لَوْ تَرَكْنَاهُمْ (جَازَ رَمْيُهُمْ) فِي هَذِهِ الْحَالَةِ (فِي الْأَصَحِّ) عَلَى قَصْدِ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ وَنَتَوَقَّى الْمُسْلِمِينَ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَالثَّانِي الْمَنْعُ إذَا لَمْ يَتَأَتَّ رَمْيُ الْكُفَّارِ إلَّا بِرَمْيِ مُسْلِمٍ (وَيَحْرُمُ الِانْصِرَافُ عَنْ الصَّفِّ إذَا لَمْ يَزِدْ عَدَدُ الْكُفَّارِ عَلَى مِثْلَيْنَا) بِأَنْ كَانُوا مِثْلَيْنَا أَوْ أَقَلَّ قَالَ تَعَالَى {فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} هُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ (إلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ) كَمَنْ يَنْصَرِفُ لِيَكْمُنَ فِي مَوْضِعٍ وَيَهْجُمَ أَوْ يَنْصَرِفَ مِنْ مَضِيقٍ لِيَتْبَعَهُ الْعَدُوُّ إلَى مُتَّسَعِ سَهْلٍ لِلْقِتَالِ (أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ يَسْتَنْجِدُ بِهَا) قَلِيلَةٍ أَوْ كَثِيرَةٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ انْصِرَافُهُ قَالَ تَعَالَى إلَّا مُتَحَرِّفًا إلَى آخِرِهِ. (وَيَجُوزُ إلَى فِئَةٍ بَعِيدَةٍ فِي الْأَصَحِّ) وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ قُرْبُهَا وَمَنْ عَجَزَ بِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ لَهُ الِانْصِرَافُ بِكُلِّ حَالٍ (وَلَا يُشَارِكُ مُتَحَيِّزٌ إلَى بَعِيدَةِ الْجَيْشَ فِيمَا غَنِمَ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ) وَيُشَارِكُهُ فِيمَا غَنِمَ قَبْلَ مُفَارَقَتِهِ (وَيُشَارِكُ مُتَحَيِّزٌ إلَى قَرِيبَةِ) الْجَيْشَ فِيمَا غَنِمَ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ (فِي الْأَصَحِّ) وَالثَّانِي لَا يُشَارِكُهُ لِمُفَارَقَتِهِ وَيُشَارِكُهُ فِيمَا غَنِمَ قَبْلَ مُفَارَقَتِهِ قَطْعًا وَالْمُتَحَرِّفُ يُشَارِكُهُ فِيمَا غَنِمَ قَبْلَ مُفَارَقَتِهِ وَلَا يُشَارِكُهُ فِيمَا غَنِمَ بَعْدَهَا نَصَّ عَلَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ أَنَّهُ يُشَارِكُ وَلَعَلَّهُ فِيمَنْ لَمْ يَبْعُدْ وَلَمْ يَغِبْ وَنَصَّ فِيمَا إذَا انْحَرَفَ وَانْقَطَعَ عَنْ الْقَوْمِ قَبْلَ أَنْ يَغْنَمُوا أَنَّهُ لَا يُشَارِكُهُمْ (فَإِنْ زَادَ) الْعَدَدُ (عَلَى مِثْلَيْنَا جَازَ الِانْصِرَافُ إلَّا أَنَّهُ يَحْرُمُ انْصِرَافُ مِائَةِ بَطَلٍ عَنْ مِائَتَيْنِ وَوَاحِدٍ ضُعَفَاءَ فِي الْأَصَحِّ) نَظَرًا لِلْمَعْنَى وَالثَّانِي يَقِفُ مَعَ الْعَدَدِ.
(وَتَجُوزُ الْمُبَارَزَةُ). وَلَا يُسْتَحَبُّ ابْتِدَاؤُهَا وَلَا يُكْرَهُ (فَإِنْ طَلَبَهَا كَافِرٌ اُسْتُحِبَّ الْخُرُوجُ إلَيْهِ) لَهَا (وَإِنَّمَا تَحْسُنُ مِمَّنْ جَرَّبَ نَفْسَهُ) وَعَرَفَ قُوَّتَهُ وَجُرْأَتَهُ فَالضَّعِيفُ الَّذِي لَا يَثِقُ بِنَفْسِهِ يُكْرَهُ لَهُ ابْتِدَاءً وَإِجَابَةً (وَ) إنَّمَا تَحْسُنُ (بِإِذْنِ الْإِمَامِ) فَلَوْ بَارَزَ بِغَيْرِ إذْنِهِ جَازَ، وَمِثْلُهُ الْأَمِيرُ الْمُعَبَّرُ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا (وَيَجُوزُ إتْلَافُ بِنَائِهِمْ وَشَجَرِهِمْ لِحَاجَةِ الْقِتَالِ وَالظَّفَرِ بِهِمْ وَكَذَا) يَجُوزُ إتْلَافُهَا (إنْ لَمْ يُرْجَ حُصُولُهَا لَنَا فَإِنْ رُجِيَ نُدِبَ التَّرْكُ) وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ الشَّيْخَيْنِ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَحَرَّقَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ}» الْآيَةُ. (وَيَحْرُمُ إتْلَافُ الْحَيَوَانِ إلَّا مَا يُقَاتِلُونَ عَلَيْهِ) كَالْخَيْلِ فَيَجُوزُ إتْلَافُهُ (لَدَفَعَهُمْ أَوْ ظَفِرَ بِهِمْ أَوْ غَنِمْنَاهُ وَخِفْنَا رُجُوعَهُ إلَيْهِمْ وَضَرَرَهُ) لَنَا فَيَجُوزُ إتْلَافُهُ دَفْعًا لِضَرَرِهِ.

. فَصْلٌ:

(نِسَاءُ الْكُفَّارِ وَصِبْيَانُهُمْ إذَا أُسِرُوا رُقُّوا) وَكَذَا الْعَبِيدُ (يَصِيرُونَ بِالْأَسْرِ أَرِقَّاءَ لَنَا) فَيَكُونُ الثَّلَاثَةُ كَسَائِرِ أَمْوَالِ الْغَنِيمَةِ الْخُمُسُ لِأَهْلِ الْخُمُسِ وَالْبَاقِي لِلْغَانِمِينَ (وَيَجْتَهِدُ الْإِمَامُ فِي الْأَحْرَارِ الْكَامِلِينَ) إذَا أَسَرُوا (وَيَفْعَلُ) فِيهِمْ (الْأَحَظَّ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ قَتْلٍ) بِضَرْبِ الرَّقَبَةِ (وَمِنْ) بِتَخْلِيَةِ سَبِيلِهِمْ (وَفِدَاءٍ بِأَسْرَى) مُسْلِمِينَ (أَوْ مَالٍ وَاسْتِرْقَاقٍ) لِلِاتِّبَاعِ وَيَكُونُ مَالُ الْفِدَاءِ وَرِقَابُهُمْ إذَا اُسْتُرِقُّوا كَسَائِرِ أَمْوَالِ الْغَنِيمَةِ وَيَجُوزُ فِدَاءُ مُشْرِكٍ بِمُسْلِمٍ أَوْ مُسْلِمِينَ أَوْ مُشْرِكِينَ بِمُسْلِمٍ (فَإِنْ خَفِيَ) عَلَى الْإِمَامِ (الْأَحَظُّ) فِي الْحَالِ (حَبَسَهُمْ حَتَّى يَظْهَرَ) لَهُ فَيَفْعَلُهُ وَسَوَاءٌ فِي الِاسْتِرْقَاقِ الْكِتَابِيُّ وَالْوَثَنِيُّ وَالْعَرَبِيُّ وَغَيْرُهُ (وَقِيلَ: لَا يُسْتَرَقُّ وَثَنِيٌّ) لِأَنَّهُ لَا يُقِرُّ بِالْحُرِّيَّةِ (وَكَذَا عَرَبِيٌّ فِي قَوْلٍ) لِحَدِيثٍ فِيهِ لَكِنَّهُ وَاهٍ (وَلَوْ أَسْلَمَ أَسِيرٌ عُصِمَ دَمُهُ) لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ» (وَبَقِيَ الْخِيَارُ فِي الْبَاقِي وَفِي قَوْلٍ يَتَعَيَّنُ الرِّقُّ) أَيْ يَصِيرُ رَقِيقًا بِنَفْسِ الْإِسْلَامِ. (وَإِسْلَامُ كَافِرٍ قَبْلَ ظَفَرٍ بِهِ يَعْصِمُ دَمَهُ وَمَالَهُ) لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ فَفِيهِ وَأَمْوَالَهُمْ (وَصِغَارَ وَلَدِهِ) عَنْ السَّبْيِ وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِمْ تَبَعًا لَهُ (لَا زَوْجَتَهُ) عَنْ الِاسْتِرْقَاقِ (عَلَى الْمَذْهَبِ) وَفِي قَوْلٍ مِنْ طَرِيقٍ يَعْصِمُهَا لِئَلَّا يَبْطُلَ حَقُّهُ مِنْ النِّكَاحِ (فَإِنْ اُسْتُرِقَّتْ انْقَطَعَ نِكَاحُهُ فِي الْحَالِ) قَبْلَ دُخُولٍ وَبَعْدَهُ لِامْتِنَاعِ إمْسَاكِ الْأَمَةِ الْكَافِرَةِ لِلنِّكَاحِ (وَقِيلَ: إنْ كَانَ بَعْدَ دُخُولٍ انْتَظَرَتْ الْعِدَّةَ فَلَعَلَّهَا تُعْتَقُ فِيهَا) فَإِنْ أُعْتِقَتْ اسْتَمَرَّ النِّكَاحُ وَإِنْ لَمْ تَسْلَمْ لِأَنَّ إمْسَاكَ الْحُرَّةِ الْكِتَابِيَّةِ جَائِزٌ.
(وَيَجُوزُ إرْقَاقُ زَوْجَةِ ذِمِّيٍّ) إذَا كَانَتْ حَرْبِيَّةً وَيَنْقَطِعُ بِهِ نِكَاحُهُ (وَكَذَا عَتِيقُهُ) الْحَرْبِيُّ يَجُوزُ إرْقَاقُهُ (فِي الْأَصَحِّ) وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِئَلَّا يَبْطُلَ حَقُّهُ مِنْ الْوَلَاءِ (لَا عَتِيقٍ مُسْلِمٍ وَزَوْجَتِهِ الْحَرْبِيَّيْنِ) أَيْ لَا يَجُوزُ إرْقَاقُهُمَا (عَلَى الْمَذْهَبِ) وَفِي قَوْلٍ مِنْ طَرِيقٍ يَجُوزُ (وَإِذَا سُبِيَ زَوْجَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا انْفَسَخَ النِّكَاحُ) بَيْنَهُمَا (إنْ كَانَا حُرَّيْنِ) صَغِيرَيْنِ كَانَا أَوْ كَبِيرَيْنِ وَاسْتُرِقَّ الزَّوْجُ لِحُدُوثِ الرِّقِّ (قَبْلُ أَوْ رَقِيقَيْنِ) أَيْضًا لِحُدُوثِ السَّبْيِ وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ أَسْلَمَا أَوْ لَا إذَا لَمْ يَحْدُثْ رِقٌّ وَإِنَّمَا انْتَقَلَ مِنْ مَالِكٍ إلَى آخَرَ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ وَغَيْرَهُ (وَإِذَا أُرِقَّ) حَرْبِيٌّ (وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَسْقُطْ فَيَقْضِي مِنْ مَالِهِ إنْ غَنِمَ مِنْ إرْقَاقِهِ) وَإِنْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ بِالرِّقِّ فَإِنْ غَنِمَ قَبْلَ إرْقَاقِهِ أَوْ مَعَهُ لَمْ يَقْضِ مِنْهُ وَفِي الْمَعِيَّةِ وَجْهٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ أَوْ لَمْ يَقْضِ مِنْهُ بَقِيَ فِي ذِمَّتِهِ إلَى أَنْ يُعْتَقَ فَيُطَالِبُ بِهِ هَذَا كُلُّهُ إنْ كَانَ الدَّيْنُ لِمُسْلِمٍ وَبِمِثْلِهِ أَجَابَ الْإِمَامُ إنْ كَانَ لِذِمِّيٍّ وَذَكَرَ الْبَغَوِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ وَإِنْ كَانَ لِحَرْبِيٍّ فَعَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ سُقُوطُ الدَّيْنِ وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ وَفِي التَّهْذِيبِ سُقُوطُ الدَّيْنِ فِي عَكْسِ هَذِهِ أَيْضًا وَهُوَ إرْقَاقُ الدَّائِنِ، وَقَالَ الْإِمَامُ فِيمَا إذَا كَانَ عَلَى مُسْلِمٍ دَيْنُ قَرْضٍ أَوْ ثَمَنٍ لِحَرْبِيٍّ اُسْتُرِقَّ لَا يَسْقُطُ وَفِي الْوَسِيطِ نَحْوُهُ فَيُطَالِبُ بِهِ (وَلَوْ اقْتَرَضَ حَرْبِيٌّ مِنْ حَرْبِيٍّ أَوْ اشْتَرَى مِنْهُ ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ قَبِلَا جِزْيَةً دَامَ الْحَقُّ) لِالْتِزَامِهِ بِعَقْدٍ (وَلَوْ أُتْلِفَ عَلَيْهِ فَأَسْلَمَا) أَوْ أَسْلَمَ الْمُتْلِفُ (فَلَا ضَمَانَ) عَلَيْهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ وَالثَّانِي قَالَ هُوَ لَازِمٌ عِنْدَهُمْ.
(وَالْمَالُ الْمَأْخُوذُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ قَهْرًا غَنِيمَةً) كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ قَسْمِهَا وَذُكِرَ هُنَا تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ (وَكَذَا مَا أَخَذَهُ وَاحِدٌ أَوْ جَمْعٌ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ سَرِقَةً أَوْ وُجِدَ كَهَيْئَةِ اللُّقَطَةِ) مِمَّا يَعْلَمُ أَنَّهُ لِلْكُفَّارِ فَأَخَذَ فَإِنَّهُ فِي الْقِسْمَيْنِ غَنِيمَةٌ (عَلَى الْأَصَحِّ) بِمَعْنَى أَنَّهُ يُقْسَمُ قِسْمُهَا خَمْسَةٌ لِأَهْلِ الْخُمُسِ وَالْبَاقِي لِمَنْ أَخَذَهَا وَالثَّانِي يَخْتَصُّ بِهِ مَنْ أَخَذَهُ وَعَلَيْهِ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ (فَإِنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ) أَيْ الْمُلْتَقِطِ (لِمُسْلِمٍ) بِأَنْ كَانَ هُنَاكَ مُسْلِمٌ (وَجَبَ تَعْرِيفُهُ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ وَفِي الْمُهَذَّبِ وَالتَّهْذِيبِ سَنَةً وَبَعْدَ التَّعْرِيفِ يَعُودُ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ. (وَلِلْغَانِمِينَ التَّبَسُّطُ فِي الْغَنِيمَةِ) قَبْلَ الْقِسْمَةِ (بِأَخْذِ الْقُوتِ وَمَا يَصْلُحُ بِهِ لَحْمٌ وَشَحْمٌ وَكُلُّ طَعَامٍ يُعْتَادُ أَكْلُهُ عُمُومًا) وَفِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ عَلَى الْعُمُومِ (وَعَلْفُ الدَّوَابِّ) بِسُكُونِ اللَّامِ (تِبْنًا وَشَعِيرًا وَنَحْوَهُمَا وَذَبْحُ حَيَوَانٍ مَأْكُولٍ لِلَحْمِهِ وَالصَّحِيحُ جَوَازُ الْفَاكِهَةِ) وَهِيَ مِمَّا يُؤْكَلُ غَالِبًا وَالثَّانِي قَالَ: لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حَاجَةُ حَالَةٍ وَلَا يَجُوزُ الْفَانِيدُ وَالسُّكَّرُ وَمَا تَنْدُرُ الْحَاجَةُ إلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ (وَ) الصَّحِيحُ (أَنَّهُ لَا تَجِبُ قِيمَةُ الْمَذْبُوحِ) وَالثَّانِي تَجِبُ لِنُدُورِ الْحَاجَةِ إلَى ذَبْحِهِ وَمَنْعِ الْأَوَّلِ إلَى نُدُورِهِمَا (وَأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ الْجَوَازُ بِمُحْتَاجٍ إلَى طَعَامٍ وَعَلَفٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَالثَّانِي يَخْتَصُّ بِهِ فَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَحَدُهُمَا لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْ أَخْذِ حَقِّ الْغَيْرِ وَالْأَوَّلُ قَالَ: لَيْسَ فِيمَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْأَخْبَارِ تَقْيِيدٌ بِالْحَاجَةِ نَعَمْ لَيْسَ لَهُ صَرْفُ الطَّعَامِ مَثَلًا إلَى حَاجَةٍ أُخْرَى بَدَلًا عَنْ طَعَامِهِ (وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِمَنْ لَحِقَ الْجَيْشَ بَعْدَ الْحَرْبِ وَالْحِيَازَةِ وَوَجْهُ الْجَوَازِ مَظِنَّةُ الْحَاجَةِ) وَعِزَّةُ الطَّعَامِ هُنَاكَ (وَأَنَّ مَنْ رَجَعَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَمَعَهُ بَقِيَّةٌ) مِمَّا تَبَسَّطَهُ (لَزِمَهُ رَدُّهَا إلَى الْمَغْنَمِ) أَيْ الْغَنِيمَةِ كَمَا فِي الصِّحَاحِ وَالثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ مُبَاحٌ وَالْأَوَّلُ قَالَ بِقَدْرِ الْكِفَايَةِ وَهُمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا قَوْلَانِ وَلَا يُمْلَكُ بِالْأَخْذِ (وَمَوْضِعُ التَّبَسُّطِ دَارُهُمْ) أَيْ الْكُفَّارِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ دَارُ الْحَرْبِ (وَكَذَا) مَحِلُّ الرُّجُوعِ (مَا لَمْ يَصِلْ عُمْرَانُ الْإِسْلَامِ فِي الْأَصَحِّ) فَإِنْ وَصَلَهُ انْتَهَى التَّبَسُّطُ وَالثَّانِي قَصْرُهُ عَلَى دَارِ الْحَرْبِ. (وَلِغَانِمٍ رَشِيدٍ وَلَوْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِفَلَسِ الْإِعْرَاضِ عَنْ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ قِسْمَةٍ) وَبِهِ يَسْقُطُ حَقُّهُ مِنْهَا وَلَا يَصِحُّ إعْرَاضُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ (وَالْأَصَحُّ جَوَازُهُ) لِرَشِيدٍ (بَعْدَ فَرْزِ الْخُمُسِ) لِأَنَّ حَقَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ مِنْهُ وَالثَّانِي لِيَتَمَيَّزَ حَقُّ الْغَانِمِينَ (وَجَوَازُهُ لِجَمِيعِهِمْ) أَيْ الْغَانِمِينَ وَيُصْرَفُ حَقُّهُمْ مَصْرِفَ الْخُمُسِ وَالثَّانِي مَنْعُ ذَلِكَ (وَبُطْلَانُهُ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى وَسَالِبٍ) أَيْ مُسْتَحِقِّ سَلَبٍ وَالثَّانِي صِحَّتُهُ مِنْهُمَا كَالْغَانِمِينَ وَحْدَهُمْ وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِتَعَيُّنِ حَقِّ السَّالِبِ وَبِأَنَّ حَقَّ ذَوِي الْقُرْبَى بِلَا عَمَلٍ وَحَقَّ الْغَانِمِينَ بِعَمَلٍ حَصَلَ بِهِ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ مِنْ الْجِهَادِ وَهُوَ إعْلَاءُ كَلِمَةِ الدِّينِ وَالْغَنِيمَةُ تَابِعَةٌ وَغَيْرُ ذَوِي الْقُرْبَى مِنْ أَصْحَابِ الْخُمُسِ جِهَاتٌ عَامَّةٌ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا إعْرَاضٌ (وَالْمُعْرِضُ كَمَنْ لَمْ يَحْضُرْ) فَيُضَمُّ نَصِيبُهُ إلَى الْمَغْنَمِ (وَمَنْ مَاتَ) وَلَمْ يُعْرِضْ (فَحَقُّهُ لِوَارِثِهِ) فَلَهُ طَلَبُهُ وَالْإِعْرَاضُ عَنْهُ.
(وَلَا تُمْلَكُ) الْغَنِيمَةُ (إلَّا بِقِسْمَةٍ وَلَهُمْ) أَيْ لِلْغَانِمِينَ (التَّمَلُّكُ) قَبْلَهَا (وَقِيلَ يَمْلِكُونَ) قَبْلَهَا بِالِاسْتِيلَاءِ مِلْكًا ضَعِيفًا يَسْقُطُ بِالْإِعْرَاضِ (وَقِيلَ: إنْ سَلِمَتْ إلَى الْقِسْمَةِ بِأَنْ مَلَكَهُمْ) بِالِاسْتِيلَاءِ (وَإِلَّا) بِأَنْ تَلِفَتْ أَوْ أَعْرَضُوا (فَلَا) مِلْكَ لَهُمْ وَالتَّمَلُّكُ فِي الْأَوَّلِ بِأَنْ يَقُولَ كُلٌّ مِنْهُمْ: اخْتَرْت مِلْكَ نَصِيبِي طَرِيقٌ ثَانٍ لِمِلْكِهِمْ (وَيُمْلَكُ الْعَقَارُ بِالِاسْتِيلَاءِ كَالْمَنْقُولِ) الَّذِي الْكَلَامُ السَّابِقُ فِيهِ فِي أَحَدِ أَوْجُهِهِ وَالتَّشْبِيهُ مَزِيدٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ مَذْكُورٌ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا قَرُبَ بِهِ مِلْكُ الْعَقَارِ وَالِاكْتِفَاءُ فِي مِلْكِهِ بِالِاسْتِيلَاءِ. (وَلَوْ كَانَ فِيهَا) أَيْ الْغَنِيمَةِ (كَلْبٌ أَوْ كِلَابٌ تَنْفَعُ) لِصَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ (وَأَرَادَهُ بَعْضُهُمْ) مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ أَوْ الْخُمُسِ (وَلَمْ يُنَازَعْ أُعْطِيهِ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ نَازَعَهُ غَيْرُهُ (قُسِمَتْ إنْ أَمْكَنَ) قَسْمُهَا عَدَدًا (وَإِلَّا أَقُرِعَ) بَيْنَهُمْ (وَالصَّحِيحُ أَنَّ سَوَادَ الْعِرَاقِ) مِنْ الْبِلَادِ (فُتِحَ) فِي زَمَنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (عَنْوَةً) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (وَقُسِمَ) بَيْنَ الْغَانِمِينَ (ثُمَّ بَذَلُوهُ) بِالْمُعْجَمَةِ أَيْ أَعْطَوْهُ (وَوُقِفَ) دُونَ مَسَاكِنِهِ لِمَا سَيَأْتِي فِيهَا (عَلَى الْمُسْلِمِينَ) وَقَفَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَآجَرَهُ لِأَهْلِهِ (وَخَرَاجُهُ) بِزَرْعٍ أَوْ غَرْسٍ (أُجْرَةٌ تُؤَدَّى كُلَّ سَنَةٍ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ) وَالْوَجْهُ الثَّانِي فُتِحَ صُلْحًا (وَهُوَ مِنْ عَبَّادَانَ) بِالْمُوَحَّدَةِ الْمُشَدَّدَةِ (إلَى حَدِيثَةِ الْمَوْصِلِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْمِيمِ (طُولًا وَمِنْ الْقَادِسِيَّةِ إلَى حُلْوَانَ) بِضَمِّ الْحَاءِ (عَرْضًا قُلْت) أَخْذًا مِنْ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ (: الصَّحِيحُ أَنَّ الْبَصْرَةَ) بِفَتْحِ الْبَاءِ فِي الْأَشْهَرِ (وَإِنْ كَانَتْ دَاخِلَةً فِي حَدِّ السَّوَادِ فَلَيْسَ لَهَا حُكْمُهُ إلَّا فِي مَوْضِعِ غَرْبَيْ دِجْلَتِهَا) يُسَمَّى الْفُرَاتَ (وَمَوْضِعِ شَرْقِيِّهَا) أَيْ لِدِجْلَةَ يُسَمَّى نَهْرَ الصَّرَاةِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْهَا كَانَ مَوَاتًا أَحْيَاهُ الْمُسْلِمُونَ بَعْدُ وَمَنْ أَدْخَلَهُ فِي الْحُكْمِ مَشَى عَلَى التَّحْدِيدِ الْمَذْكُورِ (وَ) الصَّحِيحُ (أَنَّ مَا فِي السَّوَادِ مِنْ الدُّورِ وَالْمَسَاكِنِ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَمَنْ مَنَعَهُ مَشَى عَلَى أَنَّهُ وَقْفٌ (وَفُتِحَتْ مَكَّةُ صُلْحًا فَدُورُهَا وَأَرْضُهَا الْمُحْيَاةُ مِلْكٌ يُبَاعُ) وَلَمْ يَزَلْ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَهَا.

. فَصْلٌ:

(يَصِحُّ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ مُخْتَارًا أَمَانُ حَرْبِيٍّ) وَاحِدٍ (وَعَدَدٍ مَحْصُورٍ) مِنْهُمْ كَعَشَرَةٍ وَمِائَةٍ (فَقَطْ) أَيْ بِخِلَافِ أَهْلِ نَاحِيَةٍ وَبَلْدَةٍ وَدَخَلَ فِي الضَّابِطِ الْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ وَغَيْرُهُمْ وَخَرَجَ الْمُكْرَهُ وَالصَّبِيُّ وَالْكَافِرُ (وَلَا يَصِحُّ أَمَانُ أَسِيرٍ لِمَنْ هُوَ مَعَهُمْ فِي الْأَصَحِّ) وَالثَّانِي يَصِحُّ لِدُخُولِهِ فِي الضَّابِطِ وَالْأَوَّلُ نَظَرَ إلَى أَنَّهُ مَقْهُورٌ فِي أَيْدِيهِمْ (وَيَصِحُّ) الْأَمَانُ (بِكُلِّ لَفْظٍ يُفِيدُ مَقْصُودَهُ) صَرِيحًا نَحْوَ أَمَّنْتُك أَوْ أَجَّرْتُك أَوْ أَنْتَ فِي أَمَانِي أَوْ كِنَايَةً نَحْوَ أَنْتَ عَلَى مَا تُحِبُّ أَوْ كُنْ كَيْفَ شِئْت (وَبِكِتَابَةٍ) بالفوقانية (وَرِسَالَةٍ) وَلَوْ كَانَ الرَّسُولُ كَافِرًا. (وَيُشْتَرَطُ عِلْمُ الْكَافِرِ بِالْأَمَانِ) بِأَنْ يُبَلِّغَهُ فَإِنْ لَمْ يُبَلِّغْهُ فَلَا أَمَانَ فَلَوْ بَدَرَ مُسْلِمٌ فَقَتَلَهُ جَازَ وَإِذَا عَلِمَهُ (فَإِنْ رَدَّهُ بَطَلَ وَكَذَا إنْ لَمْ يَقْبَلْ) بِأَنْ سَكَتَ (فِي الْأَصَحِّ) وَالثَّانِي لَا يَبْطُلُ بِالسُّكُوتِ (وَتَكْفِي إشَارَةٌ مُفْهِمَةٌ لِلْقَبُولِ) مِنْ قَادِرٍ عَلَى النُّطْقِ وَكَذَا فِي الْإِيجَابِ (وَيَجِبُ أَنْ لَا تَزِيدَ مُدَّتُهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَفِي قَوْلٍ يَجُوزُ) الْأَمَانُ (مَا لَمْ تَبْلُغْ سَنَةً) كَالْهُدْنَةِ فَلَوْ زَادَ عَلَى الْجَائِزِ بَطَلَ الزَّائِدُ فَقَطْ تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ وَإِذَا أُطْلِقَ حُمِلَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَيَبْلُغُ بَعْدَهَا الْمَأْمَنَ (وَلَا يَجُوزُ أَمَانٌ يَضُرُّ الْمُسْلِمِينَ كَجَاسُوسٍ) وَطَلِيعَةٍ فَلَا يَنْعَقِدُ قَالَ الْإِمَامُ: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْتَحِقَّ تَبْلِيغَ الْمَأْمَنِ (وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ نَبْذُ الْأَمَانِ إنْ لَمْ يَخَفْ خِيَانَةً) فَإِنْ خَافَهَا نَبَذَهُ كَالْهُدْنَةِ وَهُوَ جَائِزٌ مِنْ جِهَةِ الْكَافِرِ يَنْبِذُهُ مَتَى شَاءَ.
(وَلَا يَدْخُلُ فِي الْأَمَانِ مَالُهُ وَأَهْلُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ وَكَذَا مَا مَعَهُ مِنْهُمَا فِي الْأَصَحِّ إلَّا بِشَرْطٍ) وَالثَّانِي لَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْطٍ. (وَالْمُسْلِمُ بِدَارِ كُفْرٍ إنْ أَمْكَنَهُ إظْهَارُ دِينِهِ) بِأَنْ كَانَ مُطَاعًا فِي قَوْمِهِ أَوْ لَهُ عَشِيرَةٌ يَحْمُونَهُ وَلَمْ يَخَفْ فِتْنَةً فِي دِينِهِ (اُسْتُحِبَّ لَهُ الْهِجْرَةُ) إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لِئَلَّا يَكِيدُوا لَهُ (وَإِلَّا وَجَبَتْ إنْ أَطَاقَهَا) فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا فَمَعْذُورٌ إلَى أَنْ يَقْدِرَ (وَلَوْ قَدَرَ أَسِيرٌ عَلَى هَرَبٍ لَزِمَهُ) لِخُلُوصِهِ بِهِ مِنْ قَهْرِ الْأَسْرِ (وَلَوْ أَطْلَقُوهُ بِلَا شَرْطٍ فَلَهُ اغْتِيَالُهُمْ) قَتْلًا وَسَبْيًا وَأَخْذُ الْمَالِ (أَوْ عَلَى أَنَّهُمْ فِي أَمَانِهِ حَرُمَ) عَلَيْهِ اغْتِيَالُهُمْ (فَإِنْ تَبِعَهُ قَوْمٌ فَلْيَدْفَعْهُمْ وَلَوْ بِقَتْلِهِمْ) كَالصَّائِلِ (وَلَوْ شَرَطُوا) عَلَيْهِ (أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ دَارِهِمْ لَمْ يَجُزْ) لَهُ (الْوَفَاءُ) بِالشَّرْطِ. (وَلَوْ عَاقَدَ الْإِمَامُ عِلْجًا) وَهُوَ الْكَافِرُ الْغَلِيظُ الشَّدِيدُ (يَدُلُّ عَلَى قَلْعَةٍ) تُفْتَحُ عَنْوَةً (وَلَهُ مِنْهَا جَارِيَةٌ جَازَ) ذَلِكَ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ مُعَيَّنَةً كَانَتْ أَوْ مُبْهَمَةً رَقِيقَةً أَوْ حُرَّةً لِأَنَّهَا تَصِيرُ رَقِيقَةً بِالْأَسْرِ وَالْمُبْهَمَةُ يُعَيِّنُهَا الْإِمَامُ (فَإِنْ فُتِحَتْ بِدِلَالَتِهِ) وَفِيهَا الْجَارِيَةُ (أُعْطِيهَا أَوْ بِغَيْرِهَا فَلَا) شَيْءَ لَهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْقَصْدَ الدَّلَالَةُ الْمُوَصِّلَةُ إلَى الْفَتْحِ وَالثَّانِي يَسْتَحِقُّهَا بِالدَّلَالَةِ (فَإِنْ لَمْ تُفْتَحْ فَلَا شَيْءَ لَهُ) لِقَوْلِهِ مِنْهَا (وَقِيلَ: إنْ لَمْ يُعَلِّقْ الْجَعْلَ بِالْفَتْحِ فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلٍ) لِدَلَالَتِهِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا جَارِيَةٌ أَوْ مَاتَتْ قَبْلَ الْعَقْدِ فَلَا شَيْءَ) لَهُ (أَوْ بَعْدَ الظَّفَرِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَجَبَ بَدَلٌ) جَزْمًا (أَوْ قَبْلَ ظَفَرٍ فَلَا) بَدَلَ (فِي الْأَظْهَرِ) لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا وَالثَّانِي تَجِبُ لِأَنَّهَا حَاصِلَةٌ وَتَعَذَّرَ تَسْلِيمُهَا (وَإِنْ أَسْلَمَتْ) بَعْدَ الظَّفَرِ أَوْ قَبْلَهُ (فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ بَدَلٍ) وَقِيلَ فِي كُلٍّ قَوْلَانِ (وَهُوَ) أَيْ الْبَدَلُ حَيْثُ وَجَبَ فِي الْمُعَيَّنَةِ (أُجْرَةُ مِثْلٍ وَقِيلَ قِيمَتُهَا) وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا أَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَيْهِ فَضَمَانُهَا ضَمَانُ يَدٍ وَعَلَى الْأَوَّلِ ضَمَانُ عَقْدٍ وَتَرْجِيحُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَرْجِيحِ قَوْلِ وُجُوبِ مَهْرِ الْمِثْلِ فِي تَلَفِ الصَّدَاقِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَتَقَدَّمَ تَرْجِيحُهُ فِي بَابِهِ..

. كتاب الجزية:

هِيَ مَالٌ يَلْتَزِمُهُ الْكُفَّارُ بِعَقْدٍ عَلَى وَجْهٍ يَأْتِي (صُورَةُ عَقْدِهَا) الْأَصْلِيُّ مِنْ الْمُوجِبِ (أُقِرُّكُمْ) وَسَيَأْتِي وَفِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ أَقْرَرْتُكُمْ (بِدَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ أَذِنْت فِي إقَامَتِكُمْ بِهَا عَلَى أَنْ تَبْذُلُوا) بِالْمُعْجَمَةِ أَيْ تُعْطُوا (جِزْيَةً وَتَنْقَادُوا لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ) وَفِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ أَحْكَامٌ وَمِنْهَا الْمُتَعَلِّقُ بِالْمُعَامَلَاتِ وَالْغَرَامَاتِ كَمَا ذَكَرَهَا صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالْبَيَانِ وَحَدُّ السَّرِقَةِ وَالزِّنَى دُونَ الشُّرْبِ لِاعْتِقَادِهِمْ حِلَّهُ كَمَا ذُكِرَتْ فِي أَبْوَابِهَا.
(وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ ذِكْرِ قَدْرِهَا) أَيْ الْجِزْيَةِ كَالْأُجْرَةِ وَسَيَأْتِي أَنَّ أَقَلَّهَا دِينَارٌ لِكُلِّ سَنَةٍ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ وَالثَّانِي لَا يُشْتَرَطُ وَيُنَزَّلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْأَقَلِّ (لَا كَفِّ اللِّسَانِ) مِنْهُمْ (عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِينِهِ) أَيْ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ لِأَنَّ فِي ذِكْرِ الِانْقِيَادِ غَنِيَّةً عَنْهُ، وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ لِيُؤْمَنَ دَعْوَى عَدَمِ إرَادَتِهِ. (وَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ مُؤَقَّتًا عَلَى الْمَذْهَبِ) وَفِي قَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ يَصِحُّ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِالْأَوَّلِ وَلَوْ قَالَ: أُقِرُّكُمْ مَا شِئْتُمْ جَازَ لِأَنَّ لَهُمْ نَبْذَ الْعَقْدِ مَتَى شَاءُوا بِخِلَافِنَا وَسَيَأْتِي إقْرَارُهُمْ بِالْجِزْيَةِ فِي دَارِ الْكُفْرِ (وَيُشْتَرَطُ لَفْظُ قَبُولٍ) مِنْهُمْ لِمَا أَوْجَبَ (وَلَوْ وُجِدَ كَافِرٌ بِدَارِنَا فَقَالَ: دَخَلْت لِسَمَاعِ كَلَامِ اللَّهِ أَوْ رَسُولِهِ أَوْ بِأَمَانِ مُسْلِمٍ صُدِّقَ) فَلَا يُتَعَرَّضُ لَهُ (وَفِي دَعْوَى الْأَمَانِ وَجْهٌ) أَنَّهُ يُطَالَبُ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ لِإِمْكَانِهَا غَالِبًا (وَيَشْتَرِطُ لِعَقْدِهَا الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ) فِي عَقْدِهَا (وَعَلَيْهِ الْإِجَابَةُ إذَا طَلَبُوا إلَّا جَاسُوسًا نَخَافُهُ) الْمُرَادُ بِهِ مَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا عَقِبَ وُجُوبِ الْإِجَابَةِ فَلَوْ خَافَ غَائِلَتَهُمْ وَأَنَّ ذَلِكَ مَكِيدَةٌ مِنْهُمْ. لَمْ يُجِبْهُمْ وَفِيهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ قَرْعُ الْجَاسُوسِ الَّذِي يُخَافُ شَرُّهُ لَا يُقِرُّ بِالْجِزْيَةِ. (وَلَا تُعْقَدُ إلَّا لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ وَأَوْلَادِ مَنْ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ قَبْلَ النَّسْخِ) لِدِينِهِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ التَّبْدِيلِ فِيهِ (أَوْ شَكَكْنَا فِي وَقْتِهِ بَعْد) أَيْ التَّهَوُّدِ أَوْ التَّنَصُّرِ أَكَانَ قَبْلَ النَّسْخِ أَمْ بَعْدَهُ (وَكَذَا زَاعِمُ التَّمَسُّكِ بِصُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَزَبُورِ دَاوُد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ وَمَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ كِتَابِيٌّ وَالْآخَرُ وَثَنِيٌّ عَلَى الْمَذْهَبِ) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَهُوَ فِي الْأَوَّلِ أَصَحُّ وَجْهَيْنِ قَطَعَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَفِي الثَّانِيَةِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَصَحُّ الطُّرُقِ وَقَوْلٌ مِنْ طَرِيقٍ ثَانٍ قَطَعَ بَعْضُهُمْ بِمُقَابِلِهِ وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي الْمَذْكُورِينَ بِأَنَّهُمْ يُقِرُّونَ بِالْجِزْيَةِ وَلَا يُقِرُّ بِهَا أَوْلَادُ مَنْ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ بَعْدَ النَّسْخِ فِي ذَلِكَ الدِّينِ وَلَا عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ وَالشَّمْسِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالسَّامِرَةِ وَالصَّابِئُونَ إنْ خَالَفُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى فِي أُصُولِ دِينِهِمْ فَلَيْسُوا مِنْهُمْ فَلَا يُقِرُّونَ وَإِلَّا فَمِنْهُمْ وَالْأَصْلُ فِي إقْرَارِ الْمَذْكُورِينَ بِالْجِزْيَةِ قَوْله تَعَالَى {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ} - إلَى قَوْلِهِ - {مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} إلَى آخِرِهِ أَيْ يَلْتَزِمُوهَا مُنْقَادِينَ لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ وَغَلَبَ مَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ كِتَابِيٌّ وَأَدْرَجَهُ فِيهِمْ الْمُتَمَسِّكُ بِالصُّحُفِ وَالزَّبُورِ وَمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ».
(وَلَا جِزْيَةَ عَلَى امْرَأَةٍ وَخُنْثَى) لِأَنَّ آيَتَهَا السَّابِقَةَ لِلذُّكُورِ (وَمَنْ فِيهِ رِقٌّ) وَقِيلَ: تَجِبُ بِقِسْطِ حُرِّيَّتِهِ (وَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ) لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمَا (فَإِنْ تَقَطَّعَ جُنُونُهُ قَلِيلًا كَسَاعَةٍ مِنْ شَهْرٍ لَزِمَتْهُ أَوْ كَثِيرًا كَيَوْمٍ وَيَوْمٍ) أَوْ يَوْمَيْنِ (فَالْأَصَحُّ بِلَفْقِ الْإِفَاقَةِ فَإِذَا بَلَغَتْ سَنَةً وَجَبَتْ) وَالثَّانِي لَا تَجِبُ وَالثَّالِثُ تَجِبُ كَالْعَاقِلِ وَالرَّابِعُ يُحْكَمُ بِمُوجِبِ الْأَغْلَبِ فَإِنْ اسْتَوَى الزَّمَانُ وَجَبَتْ (وَلَوْ بَلَغَ ابْنُ ذِمِّيٍّ وَلَمْ يَبْذُلْ) بِالْمُعْجَمَةِ أَيْ يُعْطِ (جِزْيَةً أُلْحِقَ بِمَأْمَنِهِ لِأَنَّ بَذْلَهَا عَقْدٌ لَهُ) وَتَقَدَّمَ أَنَّ إعْطَاءَهَا بِمَعْنَى الْتِزَامِهَا (وَقِيلَ عَلَيْهِ كَجِزْيَةِ أَبِيهِ) وَلَا يَحْتَاجُ إلَى عَقْدٍ اكْتِفَاءً بِعَقْدِ أَبِيهِ. (وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُهَا عَلَى زَمِنٍ وَشَيْخٍ هَرِمٍ وَأَعْمَى وَرَاهِبٍ وَأَجِيرٍ) لِأَنَّهَا كَأُجْرَةِ الدَّارِ (وَفَقِيرٍ عَجَزَ عَنْ كَسْبٍ فَإِذَا تَمَّتْ سَنَةٌ) لِلْفَقِيرِ (وَهُوَ مُعْسِرٌ فَفِي ذِمَّتِهِ حَتَّى يُوسِرَ) وَكَذَا حُكْمُ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَمَا بَعْدَهَا وَمُقَابِلُ الْمَذْهَبِ فِي غَيْرِ الْفَقِيرِ أَنْ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمْ إنْ قُلْنَا لَا يُقْتَلُونَ كَالنِّسَاءِ، وَفِي الْفَقِيرِ قَوْلٌ وَغَيْرُهُ مَشْهُورٌ أَنَّهُ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا تُعْقَدُ لَهُ عَلَى أَنْ يَبْذُلَهَا عِنْدَ الْقُدْرَةِ فَإِذَا أَيْسَرَ فَهُوَ أَوَّلُ حَوْلِهِ (وَيُمْنَعُ كُلُّ كَافِرٍ مِنْ اسْتِيطَانِ الْحِجَازِ) وَفِي الشَّرْحِ وَمِنْ الْإِقَامَةِ بِهِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا فِي الرَّوْضَةِ (وَهُوَ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَامَةُ وَقُرَاهَا) كَالطَّائِفِ لِمَكَّةَ وَخَيْبَرَ لِلْمَدِينَةِ (وَقِيلَ: لَهُ الْإِقَامَةُ فِي طُرُقِهِ الْمُمْتَدَّةِ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَوْضِعَ إقَامَةِ النَّاسِ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ «آخِرُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْرِجُوا الْيَهُودَ مِنْ الْحِجَازِ»، وَرَوَى الشَّيْخَانِ حَدِيثَ «أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» وَمُسْلِمٌ حَدِيثَ «لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» وَالْقَصْدُ مِنْهَا الْحِجَازُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَيْهِ. (وَلَوْ دَخَلَهُ) الْكَافِرُ (بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ أَخْرَجَهُ وَعَزَّرَهُ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ) مِنْهُ (فَإِنْ اسْتَأْذَنَ أُذِنَ لَهُ إنْ كَانَ) دُخُولُهُ (مَصْلَحَةً لِلْمُسْلِمِينَ كَرِسَالَةٍ وَحَمْلِ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَ لِتِجَارَةٍ لَيْسَ فِيهَا كِبَرُ حَاجَةٍ لَمْ يَأْذَنْ إلَّا بِشَرْطِ أَخْذِ شَيْءٍ مِنْهَا) وَقَدْرُهُ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ (وَلَا يُقِيمُ إلَّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) وَلَا يُحْسَبُ مِنْهَا يَوْمُ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ (وَيُمْنَعُ دُخُولَ حَرَمِ مَكَّةَ فَإِنْ كَانَ رَسُولًا) وَالْإِمَامُ فِي الْحَرَمِ (خَرَجَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ يَسْمَعُهُ) وَيُخْبِرُ الْإِمَامَ (وَإِنْ) دَخَلَهُ وَ (مَرِضَ فِيهِ نُقِلَ وَإِنْ خِيفَ مَوْتُهُ) مِنْ نَقْلِهِ (فَإِنْ مَاتَ) فِيهِ (لَمْ يُدْفَنْ فِيهِ فَإِنْ دُفِنَ نُبِشَ وَأُخْرِجَ) مِنْهُ (وَإِنْ مَرِضَ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْحِجَازِ وَعَظُمَتْ الْمَشَقَّةُ فِي نَقْلِهِ تُرِكَ وَإِلَّا نُقِلَ فَإِنْ مَاتَ) فِيهِ (وَتَعَذَّرَ نَقْلُهُ دُفِنَ هُنَاكَ) وَلَيْسَ حَرَمُ الْمَدِينَةِ كَحَرَمِ مَكَّةَ فِيمَا ذُكِرَ فِيهِ لِاخْتِصَاصِهِ بِالنُّسُكِ وَفِيهِ حَدِيثُ الشَّيْخَيْنِ «لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ» وَغَيْرُ الْحِجَازِ لِكُلِّ كَافِرٍ دُخُولُهُ بِالْأَمَانِ.

. فَصْلٌ:

(أَقَلُّ الْجِزْيَةِ دِينَارٌ لِكُلِّ سَنَةٍ) عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ:
لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذٍ لَمَّا بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ «خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ أَيْ مُحْتَلِمٍ دِينَارًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ (وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ مُمَاكَسَةٌ حَتَّى يَأْخُذَ مِنْ مُتَوَسِّطٍ دِينَارَيْنِ وَغَنِيٍّ أَرْبَعَةً) وَلَوْ شُرِطَ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ جَازَ وَيَعْتَبِرُ الْغَنِيُّ وَغَيْرُهُ الْأَخْذَ وَلَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ: أَنَا مُتَوَسِّطٌ أَوْ فَقِيرٌ قُبِلَ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِخِلَافِهِ (وَلَوْ عُقِدَتْ بِأَكْثَرَ) مِنْ دِينَارٍ (ثُمَّ عَلِمُوا جَوَازَ دِينَارٍ لَزِمَهُمْ مَا الْتَزَمُوهُ فَإِنْ أَبَوْا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُمْ نَاقِضُونَ) لِلْعَهْدِ وَالثَّانِي لَا وَيَقْنَعُ مِنْهُمْ بِالدِّينَارِ (وَلَوْ أَسْلَمَ ذِمِّيٌّ أَوْ مَاتَ بَعْدَ سِنِينَ أُخِذَتْ جِزْيَتُهُنَّ) فِي الْإِسْلَامِ مِنْهُ وَفِي الْمَوْتِ (مِنْ تَرِكَتِهِ مُقَدَّمَةً عَلَى الْوَصَايَا وَيُسَوَّى بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ دَيْنِ آدَمِيٍّ عَلَى الْمَذْهَبِ)، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي تُقَدَّمُ هِيَ فِي قَوْلٍ وَدَيْنُ الْآدَمِيِّ فِي قَوْلٍ وَيُسَوَّى بَيْنَهُمَا فِي قَوْلٍ (أَوْ فِي خِلَالِ سَنَةٍ فَقِسْطٌ) لِمَا مَضَى كَالْأُجْرَةِ (وَفِي قَوْلٍ لَا شَيْءَ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوُجُوبَ بِالْحَوْلِ كَالزَّكَاةِ.
(وَتُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ بِإِهَانَةٍ فَيَجْلِسُ الْآخِذُ وَيَقُومُ الذِّمِّيُّ وَيُطَأْطِئُ رَأْسَهُ وَيَحْنِي ظَهْرَهُ وَيَضَعُهَا فِي الْمِيزَانِ وَيَقْبِضُ الْآخِذُ لِحْيَتَهُ وَيَضْرِبُ لِهْزِمَتَيْهِ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَالزَّاي وَهُمَا مُجْتَمَعُ اللَّحْمِ بَيْنَ الْمَاضِغِ وَالْأُذُنِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ (وَكُلُّهُ مُسْتَحَبٌّ وَقِيلَ وَاجِبٌ) وَهُوَ مَعْنَى الصَّغَارِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَهُمْ صَاغِرُونَ} عِنْدَ بَعْضِهِمْ (فَعَلَى الْأَوَّلِ) أَيْ الِاسْتِحْبَابِ (لَهُ تَوْكِيلُ مُسْلِمٍ بِالْأَدَاءِ) لِلْجِزْيَةِ (وَحَوَالَةٌ) بِهَا (عَلَيْهِ وَأَنْ يَضْمَنَهَا) بِخِلَافِ الثَّانِي (قُلْت: هَذِهِ الْهَيْئَةُ بَاطِلَةٌ وَدَعْوَى اسْتِحْبَابِهَا أَشَدُّ خَطَأً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ لَا نَعْلَمُ أَصْلًا مُعْتَمَدًا وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَحَدًا مِنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ فَعَلَ شَيْئًا مِنْهَا وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا الخراسانيين وَقَالَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ: تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ بِرِفْقٍ كَأَخْذِ الدُّيُونِ انْتَهَى وَفِيهِ تُحْمَلُ عَلَى الذَّاكِرِينَ لَهَا وَلِلْخِلَافِ فِيهَا الْمُسْتَنِدِ إلَى تَفْسِيرِ الصَّغَارِ فِي الْآيَةِ بِهَا الْمَبْنِيِّ عَلَيْهَا الْمَسَائِلُ الْمَذْكُورَةُ. (وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ إذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يَشْرِطَ عَلَيْهِمْ إذَا صُولِحُوا فِي بَلَدِهِمْ ضِيَافَةُ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ زَائِدًا عَلَى أَقَلِّ جِزْيَةٍ وَقِيلَ: يَجُوزُ مِنْهَا وَيَجْعَلُ) عَلَى الْأَوَّلِ (عَلَى غَنِيٍّ وَمُتَوَسِّطٍ لَا فَقِيرٍ فِي الْأَصَحِّ)، وَالثَّانِي عَلَيْهِ أَيْضًا كَالْجِزْيَةِ (وَيَذْكُرُ عَدَدَ الضِّيفَانِ رِجَالًا وَفُرْسَانًا وَجِنْسَ الطَّعَامِ وَالْأُدُمِ وَقَدْرَهُمَا وَلِكُلِّ وَاحِدٍ كَذَا وَعَلَفَ الدَّوَابِّ وَمَنْزِلَ الضِّيفَانِ مِنْ كَنِيسَةٍ وَفَاضِلِ مَسْكَنٍ وَمُقَامِهِمْ وَلَا يُجَاوِزُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَالَحَ أَهْلَ أَيْلَةَ عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ دِينَارٍ وَكَانُوا ثَلَاثَمِائَةِ رَجُلٍ وَعَلَى ضِيَافَةِ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ»، وَرَوَى الشَّيْخَانِ حَدِيثَ الضِّيَافَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَالطَّعَامُ وَالْأُدْمُ كَالْخُبْزِ وَالسَّمْنِ وَالْعَلَفُ كَالتِّبْنِ وَالْحَشِيشِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ قَدْرِهِ وَإِنْ ذَكَرَ الشَّعِيرَ بَيَّنَ قَدْرَهُ وَلْيَكُنْ الْمَنْزِلُ بِحَيْثُ يَدْفَعُ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ وَلَا يُخْرِجُونَ أَهْلَ الْمَنَازِلِ مِنْهَا وَمُقَامُهُمْ بِضَمِّ الْمِيمِ أَوَّلَهُ اسْمُ زَمَانٍ أَيْ مُدَّةَ إقَامَتِهِمْ. (وَلَوْ قَالَ قَوْمٌ: نُؤَدِّي الْجِزْيَةَ بِاسْمِ صَدَقَةٍ لَا جِزْيَةٍ فَلِلْإِمَامِ إجَابَتُهُمْ إذَا رَأَى) ذَلِكَ فَتَسْقُطُ عَنْهُمْ الْإِهَانَةُ (وَيُضَعِّفُ عَلَيْهِمْ الزَّكَاةَ) كَمَا فَعَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (فَمِنْ خَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ شَاتَانِ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ بِنْتَا مَخَاضٍ) وَأَرْبَعِينَ شَاةً شَاتَانِ (وَعِشْرِينَ دِينَارًا دِينَارٌ وَمِائَتَيْ دِرْهَمٍ عَشَرَةٌ وَخُمُسُ الْمُعَشِّرَاتِ وَلَوْ وَجَبَ بِنْتَا مَخَاضٍ مَعَ جُبْرَانَ) بَدَلَ بِنْتَيْ لَبُونٍ عِنْدَ فَقْدِهِمَا (لَمْ يُضَعِّفْ الْجُبْرَانَ فِي الْأَصَحِّ) وَالثَّانِي يُضَعِّفُهُ فَيَأْخُذُ مِنْ كُلِّ بِنْتِ مَخَاضٍ أَرْبَعَ شِيَاهٍ أَوْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، (وَلَوْ كَانَ بَعْضُ نِصَابٍ لَمْ يَجِبْ قِسْطُهُ فِي الْأَظْهَرِ) وَالثَّانِي يَجِبُ فَفِي عِشْرِينَ شَاةٍ شَاةٌ وَفِي مِائَةِ دِرْهَمٍ خَمْسَةٌ (ثُمَّ الْمَأْخُوذُ جِزْيَةٌ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْ مَالِ مَنْ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ) كَالْمَرْأَةِ، وَالصَّبِيِّ وَيُزَادُ عَلَى الضِّعْفِ إنْ لَمْ يَفِ بِدِينَارٍ عَنْ كُلِّ رَأْسٍ إلَى أَنْ يَفِيَ بِهِ وَيَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى قَدْرِ الزَّكَاةِ وَنِصْفِهَا إذَا وَفَّى بِالدِّينَارِ..